كما رحبت بقدر أكبر من مشاركة المرضى في الاعتناء بصحتهم، خاصة أن هذا يشجعهم على تبني أسلوب حياة أكثر مراعاة للصحة. وعلى النقيض من ذلك، حذرت من أن ذلك قد يؤدي أيضا إلى زيادة أعباء العمل الواقعة على كاهل الأطباء، حال تشجيع تلك التكنولوجيا غير المرضى، ممن تنتابهم مخاوف حيال أمر صحي ما، على طلب مزيد من الرعاية الصحية رغم عدم حاجتهم للعلاج.
ورغم تأييده لهذه التكنولوجيا الجديدة، أبدى أندرو غودارد، عميد الكلية الملكية للأطباء بلندن، قلقا إزاء اقتصار استخدام هذه الاختراعات الرقمية المعرضة على فئات معينة من المرضى وليس جميعهم.
وقال غودارد:”على جهاز الآيفون خاصتي لدي تطبيق ECG لقياس ضربات القلب. فإذا ما شعرت بخفقان يمكنني أن ألمسه بأصابعي، وسوف يقوم بحساب معدل ضربات قلبي وإرسالها بالبريد الإلكتروني لطبيب القلب. هذا أمر جيد بالنسبة لشخص متعلم ويستطيع استخدام الآيفون والبريد الإلكتروني. لكن تصور أنك في الثمانين من العمر، تعيش وحدك وتعاني في سبيل استخدام الهاتف حتى لو كان بمفاتيح كبيرة وليس لديك كمبيوتر في البيت. المقلق بشأن هذه التكنولوجيا أنها ستخلق تفاوتا كبيرا بين متلقي خدمات الرعاية الصحية، إذ يمكنها تحسين هذه الخدمات لدى بعض المرضى فقط، وليس جميعهم”.
ورغم الشكوك التي تراود الأطباء حيال تلك التكنولوجيا، يمضي قطاع التكنولوجيا قدما من خلال عمل عدد كبير من الشركات الناشئة والعملاقة التي تستثمر في تطبيقات الخدمات الطبية.
وتأمل شركة أبل في استغلال إمكانات هاتفها الذكي iPhone وساعة آبل لدمج البيانات الصحية الشخصية مع خدماتها الجديدة. كما استثمرت غوغل في شركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض، مثل شركة ديب مايند التي أعلنت في الفترة الأخيرة عن إحراز تقدم في التحليل الآلي لفحوصات العين. كما أعلنت شركة تن سنت الصينية اندماجها مع شركة ميدوباد لاستخدام الذكاء الاصطناعي في علاج مرض شلل الرعاش.
وتتعاون أمازون مع المجموعة الاستثمارية بيركشاير هاثاواي وبنك جيه بي مورغان الاستثماري من أجل إحداث تغيير جذري في نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. ورغم عدم إعلانهم عن التفاصيل، قال وارن بافيت، الرئيس لتنفيذي لبيركشاير هاثاواي إن الهدف هو مواجهة تحدي “الدودة الشريطية الجائعة” لتكلفة الرعاية الصحية، ما يشير إلى الحد من ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية.
لكنه أشار إلى أن أي تقدم على صعيد تغيير حركة الرعاية الصحية سوف يعتمد على التقدم في بعض المسائل الهيكلية الأساسية، أبرزها التحول للسجلات الرقمية للمرضى وسن “قوانين خاصة” بشأن هذه البيانات.
لهذه الأسباب تقول ليديا درامرايت إن التقدم بطيء حتى الآن فيما يتعلق بتطور اتخاذ القرارات في الحقل الطبي استنادا إلى الذكاء الاصطناعي، مرجحة أن المناطق الفقيرة من العالم ستكون المستفيد الأكبر إذا ما تم وضع البنية التحتية الأساسية لهذه التكنولوجيا.
ورغم هذه التحديات، بدأت مؤسسات مثل ميديك موبيل، وهي مؤسسة غير ربحية، تعمل في عشرين دولة في آسيا وأفريقيا لمساعدة العاملين في قطاع الخدمة الصحية، على جمع السجلات الإلكترونية، استخدام تطبيق هاتف ذكي بسيط يقدم لهم وسيلة لتتبع حالات المرضى، موفرا معلومات عن الحمل أو تلقي الأمصال والتطعيمات أو مواجهة خطر الإصابة بمرض ما.
ويوفر هذا التطبيق توصيات، بناء على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، للعاملين في قطاع الرعاية الصحية تمكنهم من الاستفادة بخبرات طبية على نطاق أوسع اعتمادا على الهواتف الذكية، كونها الوسيلة التكنولوجية الأكثر انتشارا. كما تستبدل هذه الوسيلة بأخرى أقدم منها، وهي الرسائل النصية حال عدم توفر الإنترنت.
وقال موتوكو ريجنا، المدير الإقليمي لمؤسسة ميديك موبيل في أفريقيا: “أحيانا تكون الأشياء البسيطة هي التي تصنع الفارق. ففي المناطق الريفية، حيث يتعذر التواصل ويصعب الحصول على الخدمات الصحية، تكون الخدمة ثمينة. فعلى سبيل المثال، إذا تعرضت امرأة لنزيف على بعد عشرين كيلومترا، سيكون إبلاغها هي ومسؤولي الرعاية الصحية في المنطقة بما ينبغي عمله أفضل من انتظارها لتأتي لتلقي العلاج اللازم، الأمر الذي قد يؤدي إلى وفاتها”
ولا يمكننا أن نتوقع من ميديك موبيل أو غيرها من مؤسسات التكنولوجيا الطبية أن تكون حلا ناجعا لكل مشكلات الرعاية الصحية على مستوى العالم. فهناك الأمراض المزمنة، مثل السكري ومرض القلب والاضطرابات العضلية الهيكلية المرتبطة بأسلوب الحياة والتي تتفاقم مع تقدم العمر، والتي لا تزال تشكل أكبر التحديات في أفق الرعاية الصحية.
كذلك الأوبئة التي يصعب السيطرة عليها تمثل تحديا آخر في أنحاء مختلفة من العالم فيما تستمر الأمراض المعدية في اختبار مدى قدرة مسؤولي الرعاية الصحية على التصدي لها.
ويرى برتالان ميسكو أن التكنولوجيا الرقمية بدأت في تغيير الطريقة التي يجري بها توفير العلاج، حيث تقدم أدوات جديدة لإدارة هذه التحديات ودعم المرضى ومساعدتنا في فهم صحتنا بطرق جديدة.
لكنه أشار إلى أن تبني ثورة في طرق تقديم الرعاية الصحية قد يكون أفضل أمل لدينا، لأنه بدونه سوف نمضي في مسار لن يمكننا من تلبية المتطلبات الضرورية للرعاية الصحية.
وأضاف أن “الإبقاء على الرعاية الصحية على حالها سوف يفقد الناس إمكانية التواصل مع العاملين في القطاع الطبي الذين لن يكون بمقدورهم تلبية احتياجات المرضى، وساعتها سوف يكون التحدث للطبيب من قبيل الرفاهية.”
وتابع: “هناك نقلة ثقافية تعطي المرضى شيئا من السيطرة، ورقمنة بعض الخدمات والبناء على الرؤى التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي واستخدام السجلات الرقمية والتواصل بشكل أكثر فعالية، هي الطريقة الوحيدة التي تضمن أن يواصل الأطباء تقديم الخدمة للمرضى عندما يحتاجونها”، مشددا على أن “استخدام التكنولوجيا هو السيناريو المستدام الوحيد المتاح لنا” إذا كانت هناك إرادة لتغيير الطرق التي تقدم بها خدمات الرعاية الصحية. BBC